Translate

الخميس، 21 أبريل 2022

حمل مكتبة الإمام ابن أبي الدنيا - الإصدار الأول

  1. من مشكاة

مكتبة الإمام ابن أبي الدنيا - الإصدار الأول
المؤلف
ابن أبي الدنيا 
 
وصف الكتاب
برنامج موسوعي يعتني بجمع مؤلفات الإمام أبو بكر عبد الله بن محمد بن قيس البغدادي المعروف بابن أبي الدنيا، ويعد البرنامج من أكبر الموسوعات الالكترونية التي عنيت بجمع كتب ومؤلفات الإمام ابن أبي الدنيا. ويضم قسم لتراجمه ومجموعة من أبرز مؤلفاته؛ إضافة إلى الكتب التي اعتنت بمؤلفاته ودعوته. وتشمل محتويات البرنامج ما يلي:
* تراجم الإمام ابن أبي الدنيا:
- نبذة عن الإمام ابن أبي الدُّنيا، نقلا عن: الموسوعة العربية العالمية
- ترجمة الإمام ابن أبي الدنيا، نقلاً عن: سير أعلام النبلاء للذهبي
- ترجمة ابن أبي الدنيا، بقلم: د. عصمت الله عنايت الله
- أسماء مصنفات ابن أبي الدنيا على حروف المعجم للحافظ المزي
- المطبوع من مؤلفات الحافظ ابن أبي الدنيا، بقلم: محمد رمضان يوسف
* كتب ومواد للإمام ابن أبي الدنيا:
- اصطناع المعروف
- إصلاح المال
- الإخلاص والنية
- الإخوان
- الإشراف في منازل الأشراف
- الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- الأهوال
- الأولياء
- التواضع والخمول
- كتاب التوبة
- كتاب التوكل على الله
- الجوع
- الحلم
- الرضا عن الله بقضائه
- الرقة والبكاء
- الزهد لابن أبي الدنيا
- الشكر
- الصبر والثواب عليه
- الصمت وآداب اللسان
- العزلة والانفراد
- العقل وفضله
- العقوبات
- العمر والشيب
- الفرج بعد الشدة
- القبور لابن أبي الدنيا
- القناعة والتعفف
- المتمنين
- المحتضرين
- المرض والكفارات
- المطر والرعد والبرق
- المنامات
- العيال
- الهم والحزن
- هواتف الجنان
- الوجل والتوثق بالعمل
- الورع
- اليقين
- حسن الظن بالله
- حلم معاوية
- ذم البغى
- ذم الدنيا
- ذم الغيبة والنميمة
- ذم الكذب
- ذم المسكر
- ذم الملاهي
- صفة الجنة لابن أبي الدنيا ت العساسلة
- صفة الجنة لابن أبي الدنيا ت سليم
- صفة النار
- فضائل رمضان
- قرى الضيف
- قصر الأمل
- قضاء الحوائج
- كلام الليالي والأيام
- مجابو الدعوة
- محاسبة النفس
- مداراة الناس
- مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
- مكارم الأخلاق
- مكائد الشيطان
- من عاش بعد الموت
* كتب وإضافات ونسخ أخرى للإمام ابن أبي الدنيا، أو كتب حوله:
- التهجد وقيام الليل ج
- كتاب التهجد وقيام الليل
- الرضا عن الله بقضائه والتسليم بأمره
- الشكر لله عز وجل
- العزلة والإنفراد لابن أبي الدنيا ت مشهور
- الهواتف لابن أبي الدنيا الكتب الثقافية
- حسن السمت في الصمت
- ذكر ابن أبي الدنيا وما وقع عاليًا من حديثه
- تقريب كتاب التواضع والخمول
- كتب ابن أبي الدنيا ت فاضل الرقي
تاريخ النشر
1436/9/30 هـ
عدد القراء
5359
روابط التحميل

==============

قصة أيوب نبي الله صلي الله عليه وعلي نبينا .وسلم

عناصر المادة نص القصة المعنى الإجمالي للقصة  قصة أيوب  من السنة الفوائد والدروس المستفادة من القصة


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:

نص القصة

فقصتنا في هذه الليلة من قصص القرآن الكريم قصة عظيمة لنبي عظيم صبور غاية الصبر، ابتلاه الله  فوجده صابرًا، قال الله تعالى في سورة الأنبياء: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ۝ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء: 83-84].
وقال تعالى في سورة ص: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ۝ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ۝ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۝ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 41-44].

المعنى الإجمالي للقصة

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا [ص: 41]، اذكر عبدنا ورسولنا أيوب  مثني عليه، ورافعًا لقدره حين ابتلاه الله  بهذا البلاء الشديد فوجده صابرًا، وراضيًا ، وذلك أن الشيطان تسلط عليه، وتسبب في ابتلاء في جسد هذا النبي الشريف، وامتحن، فتقرح قروحًا عظيمة، واشتد بلاؤه مدة طويلة، والله  لم يذكر لنا ابتلاؤه بالتفصيل، قال: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ [الأنبياء: 83].
الضر من جميع الجهات ضرر في بدنه وماله وأهله، اجتمعت على أيوب أصناف البلاء لم يكن في جهة واحدة، وإنما كان في جهات متعددة هذا الابتلاء، والبلاء إذا ركب على الإنسان أنواعًا فإنه سيكون شديدًا عليه، فدعا رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء: 83]، فتوسل إلى الله بالإخبار عن نفسه، انظر في هذه الآية وتمعن، فإن أيوب  لم يطلب من الله كشف الضر، وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ۝ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء: 83-84]، استجبنا له، ماذا يعني؟ أن الطلب لم يذكر طلبًا هنا، وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [ص: 41]، تسلط عليه الشيطان ابتلاه الله بالشيطان الذي تسبب له بالابتلاءات هذه، فهذا أيوب  لم يقل اكشف ما بي ارفع عني، ولكن توسل إلى الله بشكوى حاله، وشكوى الحال إلى الله كافية، والمعنى واضح أنه يسأل ربه أن يرفع عنه ما أصابه، وهذا الموضع فيه استجابة الله  لنبيه والسياق سياق رحمة بالأنبياء، ورعاية لهم في الابتلاء، سواء كان الابتلاء بتكذيب أقوامهم لهم، كما في قصص إبراهيم، ولوط، ونوح، أو كان ابتلاء بالنعمة كما في قصة داود، وسليمان، أو بالضر كما في قصة أيوب.
قال ابن القيم رحمه الله معلقًا على دعاء أيوب : "جمع هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد، وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه، ووجود طعم المحبة في التملق، والإقرار له بصفة الرحمة، وأنه أرحم الراحمين، والتوسل إليه بصفاته سبحانه، وشدة حاجته هو وفقره، ومتى وجد المبتلى هذا كشفت عنه بلواه". [الفوائد لابن القيم، ص: 201].
قال تعالى: وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ [الأنبياء: 84]، رددناهم إليه، ورفع الضر عنهم، فصار معافى في بدنه، وعاد إليه أهله، وجاء إليه رزقه، ووهبه الله من الأبناء ما وهبه، قال تعالى: وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا [الأنبياء: 84].


لأنه صبر ورضي فنالته رحمة الله، وأثابه الله ثوابًا عاجلاً في الدنيا قبل الآخرة، رحمة ومنة من الله عليه، وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء: 84]، جعلناه عبرة للعابدين الذين ينتفعون بالعبر، فإذا رأوا ما أصابهم من البلاء، ثم ما أثابه الله بعد زواله، ونظروا ما السبب، ووجدوا هذا الصبر، ووجدوا هذه الإجابة كان ذلك عبرة لهم، وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء: 84] فهم يتعظون بما أصاب أيوب .
وفي سورة ص وَاذْكُرْ [ص: 41] للذكر، عَبْدَنَا [ص: 41] المتذلل المطيع لنا, أَيُّوبَ [ص: 41] بأحسن الذكر، وأثني عليه حين أصابه الضر فصبر، ولم يشتك لغير الله، ولا لجأ إلى غير الله، وأعقبه الله تعالى بالفرج نادى ربه بصوت ارتفع صوته بنداء ربه داعيًا إليه شاكيًا له، ولم يشتك لغيره، أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ [ص: 41-44]، أصابني شيطان الجن بأمر شاق مؤلم متعب، وَعَذَابٍ [ص: 41] أصابني التعب، والإعياء، والشر والبلاء، والوسوسة، والنصب ما أصيب به الإنسان في بدنه، والعذاب ما أصيب به في ماله، كما قال بعضهم.
وقيل: النصب في البدن، والعذاب في المال والولد، وكان الشيطان قد آذاه، لكن هل هو إيذاء نفسي؟ الآن هناك بعض الناس عندهم ابتلاءات نفسية نتيجة شياطين الجن، إنسان يبتلى في نفسه ابتلاء نفسيًا بتسلط شياطين الجن عليه، وأحيانًا يكون الابتلاء بدنيًا، وقد يضربونه، وقد يظهر أثرًا في جلده، وقد يوقعونه من مكان مرتفع، الجن يخيفون، والجن يضربون، ويخنقون، ويعشقون فيتسلطون، ويصرعون يصيبون بأنواع من الأذى، وهناك الوسوسة أيضاً التي تتسبب في مزيد من المعاناة لهذا المبتلى، وقد أخرج الطبري بسنده الحسن عند قتادة رحمه الله وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [ص: 41].
قال: ذهاب المال والأهل، والضر الذي أصابه في جسده. [جامع البيان: 18/250]. وقيل: إن الشيطان قد سلط عليه في جسده، فنفخ فيه حتى تقرح، ثم تقيح بعد التقرح، واشتد به الأمر.
واختلف العلماء كم سنة لبث أيوب في البلاء؟
فقيل: سبع، وقيل: عشر، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: ثماني عشرة سنة، وقيل: أربعين، رجح ابن حجر رحمه الله أن مدة بلاءه ثلاث عشرة سنة.

قصة أيوب  من السنة

وهناك رواية صحيحة تدل على أنه لبث في البلاء ثماني عشرة سنة.
قال ابن حجر رحمه الله: وأصح ما ورد ما رواه ابن حبان وصححه الحاكم عن الزهري عن أنس: "أن أيوب  ابتلي فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد"، انفض الناس بسبب البلاء، خصوصًا إذا كان الواحد قد أصيب بتقرح، وجروح في بدنه، تقيحت الجراحات، وصار المنظر مقززًا، والرائحة كريهة، المهم الناس انفضوا عنه، ولم يعودوا يريدون الجلوس إليه، صار المنظر مؤلماً، لا يطيق أن يراه أحد، ولا يقترب منه أحد، قال: "فرفضه القريب والبعيد"، إذًا ابتلاء أيوب  لم يكن فقط في الآلام الجسدية، آلام نفسية حتى تتمثل في انفضاض الناس عنه، وابتعادهم عنه، وعدم رغبتهم فيه من هذا البلاء الذي أصابه، قال: "فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان" يعني للخدمة والمساعدة والإعانة، فقال: "أحدهما للآخر يوم من الأيام لقد أذنب أيوب ذنبًا عظيمًا، وإلا لكشف عنه هذا البلاء" يعني: ما هذا الذي نزل به إلا أن يكون أذنب ذنبًا عظيمًا، فذكره الآخر لأيوب فازداد حزنًا، صار حتى هؤلاء الاثنين أقرب الناس واحد منهما يظن أيوب هذا عمل معصية شنيعة جدًا، ولولا ذلك ما جاءه هذا البلاء، فحزن ودعا الله حينئذ، فخرج لحاجته، وأمسكت امرأته بيده، فلما فرغ أبطأت عليه، كانت تساعده إلى أن يقوم حتى لو أراد أن يقضي حاجته، لا بدّ أن يمسك به، فأبطأت عليه في الرجوع لتأخذه، فرغ فضرب برجله الأرض، فنبعت عين فاغتسل منها، فرجع صحيحًا، فجاءت امرأته، فلم تعرفه، فسألته عن أيوب، رأت أمامها شخصًا سويًا سليما صحيحًا، فسألته عن أيوب أين أيوب؟ قال: إني أنا هو، وكان له أندران: أحدهما للقمح، والآخر للشعير، فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض، وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض. [تفسير ابن أبي حاتم: 14562، وابن حبان: 2898، فتح الباري: 6/421].
وأورد العلامة الألباني رحمه الله في سلسلته الصحيحة قريبًا من هذا الحديث.
وفيه أن أيوب لبث في البلاء ثمانية عشرة سنة، ونص الرواية: أن نبي الله أيوب ﷺ لبث به بلاؤه ثمانية عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كان يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يومًا: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك قال منذ ثمانية عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راح إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، الذي سمع الكلام ما استطاع أن يمنع نفسه، ونقل الكلام الذي قاله له صاحبه إلى أيوب ، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان، فيذكران الله لأن في المنازعة الواحد يحلف والله والله، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق، قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضى حاجته أمسكته امرأته بيده حتى يبلغ.


يعني: يرجع إلى البيت، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، وأوحي إلى أيوب أن ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص: 42]، فاستبطأته فتلقته تنظر، وقد أقبل عليها، قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ والله ما رأيت أشبه منك إذا كان صحيحًا، فقال: فإني أنا هو، وكان له أندران أي: بيدران، أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض، الفضة [رواه ابن حبان: 2898، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 17].
هذه القصة الصحيحة تبين ما عانى أيوب  منه مدة ثمانية عشر عامًا، فلما نادى الله، وتضرع إليه، وعلم ألا ملجأ من الله إلا إليه.
وقيل له: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص: 42] ما معنى اركض برجلك؟ يعني: ادفع برجلك، اضرب برجلك، فنبعت العين التي اغتسل منها، وشرب، وذهب عنه الضر، والأذى، وشفاه الله، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 284].
وفي القرآن ضربات بسببها نبع الماء بأمر الله من ذلك ضربة أيوب هذه، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص: 42]، نبع الماء.
الثانية: لما ضرب موسى الحجر فتفجر منه اثنتا عشرة عينًا.
الثالثة: وردت في السنة في قصة هاجر وإسماعيل، عندما ضرب جبريل بعقبه، أو بجناحه مكان زمزم، فنبع الماء بضربة من جبريل ، النبي ﷺ معجزته أعظم من هذا لأن الماء نبع ليس من حجر، ولا من الأرض، نبع من بين عصب ودم ولحم وجلد، نبع من يده الشريفة، من بين أصابعه، الماء يخرج من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، وهذا أعجب لا شك، والمعجزة فيه أكبر.
ضرب أيوب برجله الأرض، فنبع الماء، وقال الله له: هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص: 42]، يغتسل منه ويشرب منه، وهذا الماء النابع من الأرض في العادة يكون ساخنًا، لكن هذه المرة كان باردًا بأمر الله  لأن المياه إذا كانت جوفية، وخرجت يكون فيها من حرارة الأرض، لكن هذه بأمر الله تعالى خرجت باردة، فاغتسل منه، وشرب منه، وذهب عنه كل داء كان بباطنه وظاهره بقدرة الله  وإرادته.
وجاء بسند حسن عن قتادة رحمه الله اضرب برجله الأرض فإذا عينان تنبعان، فشرب من إحداهما، واغتسل من الآخر، قال مقاتل: "نبعت عين حارة، فاغتسل فيها، فخرج صحيحًا، ثم نبعت عين أخرى فشرب منها ماء عذبًا"، وقيل أمر بالركض بالرجل ليتناثر عنه الداء الذي في جسده". [تفسير القرطبي: 15/211]، والمغتسل الماء الذي يغتسل به.


قال ابن كثير رحمه الله: اضرب الأرض برجلك، فامتثل للأمر ، فأنبع الله عينًا باردة، أنبعها بالماء، وأمره أن يغتسل فيها، ويشرب منها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى، والسقم، والمرض الذي كان في جسده، وأبدله الله بدلا من ذلك صحة ظاهرة وباطنة، وجمالاً تامًا، ومالا كثيرًا، حتى صب المال صبًا عليه ربه  مطرًا عظيمًا جرادًا من ذهب. [تفسير ابن كثير: 7/74].
روى البخاري عن أبي هريرة  عن النبي ﷺ قال: بينما أيوب يغتسل عريانًا خر عليه رجل جراد من ذهب رجل يعني: شيء كثير، فجعل يحثي في ثوبه، فناداه ربه، يا أيوب: ألم أكن أغنيتك عما ترى، قال: بلى يا رب، ولكن لا غني لي عن بركتك [رواه البخاري: 3391]، يعني: وهذه زيادة، وأنا زيادة لا غني لي عنها، وزيادة الخير خيرين.
ووقع من طريق بشير بن نهيك عن أبي هريرة: "لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادًا من ذهب". [رواه الحاكم في المستدرك: 4116، وقال: على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي].
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ [ص: 43] قال بعض المفسرين: أحياهم الله له لأنهم ماتوا وهلكوا من قبل.
وقال الحسن وقتادة: أحياهم الله بأعيانهم، وزاده مثلهم. [تفسير النيسابوري: 6/385].
وقال القاسمي في تفسيره: "جمعهم الله إليه بعد تفرقهم" [تفسير القاسمي: 8/262]، وقضية الإحياء هذه فيها نظر، فإنه ليس عندنا دليل أنهم ماتوا، لكن ممكن أنهم تفرقوا عنه، انفضوا عنه فيمن انفض، ولم تبق إلا تلك الزوجة الوفية، فرد الله إليه أهله ومثلهم معهم، وآتاه الله مزيدًا من الأهل مضاعفًا، وأذهب الله تعالى مرضه النفسي، والجسدي، وفقره، وأذهب فقده لأهله، فرجعوا إليه، ومثلهم معهم، وأعطاهم المال العظيم، والأولاد، والصحة، وبارك له فيما آتاه رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا [الأنبياء: 84]، بأيوب  حيث صبر فاستحق هذا الفرج.
قال بعضهم: إن اسم زوجته رحمة، ولكن هذا بعيد، يعني: كون الآية فيها، وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً [الأنبياء: 84]، ليس معناه أن اسم الزوجة رحمة؛ كما ادعى البعض؛ فهذا أبعد النجعة، وأغرق في النزع.
وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ [ص: 43]، أصحاب العقول.


وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا[ص: 44] حزمة شماريخ، وقد أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا، قال: حزمة" [جامع البيان: 23039]، هذه الحزمة من نبات كان شمراخ فيه عذوق كثيرة مائة، الشمراخ الواحد مائة عود، وكل مجموع مقبوض عليه باليد يسمى ضغثًا، قال: فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ [ص: 44] ما معنى هذا؟
يعني: أن أيوب  كان قد غضب على زوجته لتصرف ما فحلف أن يضربها مائة ضربة، زعموا أسباب كثيرة لهذا، لكن ما ثبت شيء، فلعلها أبطأت عليه في طلبه، أو انتظرها أن تأتي لتأخذه مثلاً فأبطأت، فحلف أن يضربها مائة ضربة، والله  يغفر لأنبيائه وأوليائه ما يكون من تعجلهم، أو غضبهم، ويغتفر منهم ما لا يغتفر من غيرهم، ممن هو أقل منهم لكثرة حسناتهم ومنزلتهم، ورفعتها عند الله ، فلكي لا يضرب زوجته مائة ضربة، وهي محسنة أيضاً، ما المخرج من اليمين وحتى لا يقع في الحنث، إذا ضربها مشكلة امرأة محسنة، وإذا حنث في يمينه مشكلة أخرى، فأوجد الله له مخرجًا، من تمام نعمته عليه أنه أوجد له مخرجًا من هذا اليمين.
قيل هذا خاص بأيوب  يعني لو جاء واحد يفعله الآن في زماننا لا يقبل منه، لأن هذه فتوى لأيوب .
وقيل: يفعل في حالات معينة، مثلاً: لو أن مريضاً مرضًا خطيرًا ضعيفًا جدًا، وقع في الزنا والفاحشة، ولو جلد مائة مات، فيمكن أن يجلد بنفس هذه الطريقة على أية حال، كان قد حلف أن يضرب امرأته مائة ضربة لأنها ابطأت عليه يومًا من الأيام، ولكي لا يضربها المائة، ولا يحنث في يمينه أوحى الله إليه أن يأخذ مائة عود من الإذخر، أو غيره يجمعها ويعمل من حزمة، أو يأخذ شمراخ فيه مائة عود، فيضربها ضربة واحدة، وهذه فتوى من الله لأيوب خصيصًا، تسهيلاً عليه وعلى أهله، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ [ص: 44]، وتكون بار بيمينك، وما عليك كفارة، ولا إثم الحنث، وأصل الحنث هو الإثم.
قال الله تعالى: وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ [الواقعة: 46]، الإثم العظيم، والمراد هنا حتى يبر بيمينه ولا يكون حانثًا، وعدم الإبرار باليمين مكروه إلى الله، أن الله سماه حنثًا، وأصل الحنث هو الإثم، لكن من نعمة الله أنه رخص لعباده لفعله لكنهم إذا فعلوه كفروا كفارة عن الحنث.
قال تعالى: وَجَدْنَاهُ صَابِرًا [ص: 44]، أيوب  ابتليناه بالضر العظيم، فصبر لوجه الله  صبر على ما مسه من الشيطان، وصبر عن معصية الله فلم يجزع، صبر على أقدار الله فلم يتسخط، ولم يشتك لغير الله، وصبر على طاعة الله، لأنه لا زال يعبد الله، وهو في البلاء، وهو يلجأ إلى الله، وهو يدعوه ، فاجتمع لأيوب أنواع الصبر كلها اجتمعت، نعم العبد أيوب الذي كملت مرتبته في العبودية، وصبر هذا الصبر العظيم إنه أواب رجاع إلى الله  كثير الذكر له ، كثير التأله والمحبة في الشدة والرخاء.


قصة أيوب هذه من أعظم القصص وأروع القصص، وأيوب في الحقيقة من ذرية إبراهيم ، وما هو الدليل على ذلك، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ [الأنعام: 84] وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ، الهاء تعود على إبراهيم، والآية في سورة الأنعام. قال ابن كثير رحمه الله: والصحيح أن الضمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السلام طبعًا نوح أبو البشرية الثاني، لأن الله قال: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ[الصافات: 77]، فآدم أبو البشرية الأول، وكل واحد من البشر بعد نوح من سلالة نوح، مع أنه نجا في السفينة معه أشخاص أخرون، لكن ما كتب الله أن يبقى لهم نسل ولا ذرية، وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ[الصافات: 77]، ذرية نوح ، أما إبراهيم  فلم يبعث نبي بعده إلا وكان من ذريته، رفع الله قدر إبراهيم، ما بعث الله نبيًا بعد إبراهيم إلى محمد عليه الصلاة والسلام من أنبياء بني إسرائيل، والعرب، وغيرهم إلا وهم من ذرية إبراهيم ، من جملتهم أيوب ، وهو من الأنبياء المنصوص أن الله أوحى إليهم؛ كما في سورة النساء: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ [النساء: 163].
وقد ذكر أهل التواريخ والتفاسير: أن أيوب كان رجلاً كثير المال، وأنه كان عنده أنعام، وعبيد، ومواشي، وأراضي إلى آخره، وكان له أولاده وأهلون كثر حتى حل به البلاء، وفقد الأموال، وفقد الأهل، وابتعد عنه الناس، وانفضوا، وليس بسهل على الإنسان أن يكون عنده كل هذا ثم بعد ذلك يصبح وحيدًا فريدًا طريدًا، لا يأتيه أحد إلا في النادر، وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وأخرج من بلده، بل قيل: إنه ألقي خارجًا في مكان موحش، وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه إلا زوجته، كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها، وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه، وتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته حتى ضعف حالها هي الأخرى، وقل مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجرة لتطعم زوجها، وهي صابرة معه على ما حل به من فراق المال والولد، والمصيبة، وضيق ذات اليد، والعمل عند الناس، والتعب، وترجع تتعب مع الزوج هذا، ومع ذلك لم يزدها إلا إشفاقًا وصبرًا، ولم يزد هذا أيوب إلا احتسابًا وحمدًا وشكرًا" [البداية والنهاية: 1/221]، حتى أن المثل يضرب به، يقال: صبر أيوب.
وذكر بعضهم أسبابًا لهذا الابتلاء، لكنها من الإسرائيليات أن حاكمًا كافرًا تسلط عليه، أو أنه دخل على ملك فرأى منكرًا فلم يغيره، ولكن هذا لا يليق بنبي الله ، وكثير من الذين ذكروا هذه صدروها فقد روي المفيد للتضعيف، والوارد مرويات وقصص إسرائيلية لا يمكن الوثوق به، والذي نعرفه من الآيات نقف عند ما أخبرنا الله به، أن الله  ابتلاه هذا الابتلاء الشديد فصبر .
قال ابن العربي: ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبرنا الله عنه في كتابه في آيتين:
الأولى قوله تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ [الأنبياء: 83].


والثانية: في ص: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [ص: 41] وإذا لم يصح عنه فيه قرآن ولا سنة إلا ما ذكرناه، فمن الذي يوصل السامع إلى أيوب خبره على أية لسان سمعه، والإسرائيليات مرفوضة عند العلماء على البتات، فأعرض عن سطورها بصرك، واصمم عن سماعها أذنيك، فإنها لا تعطي فكرك إلا خيالا، ولا تزيد فؤادك إلا خبالا" هذا كلام ابن العربي رحمه الله في رفض الإسرائيليات. [تفسير القرطبي: 15/210].
والأخبار التي لا يوثق بها، وهذا مقام نبي من الأنبياء أيليق أن يقال عليه: أنه عوقب بسبب منكر ما أنكره، أو كذا أو كذا، ولم يثبت هذا، والأصل أن الأنبياء يقومون لله بالحجة، وينكرون المنكر، ومن العجائب والطوام أن بعض الصوفية يحتجون بقوله: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ على جواز الضرب والرقص الصوفي، يعملون حلق رقص صوفي يضرب بالأرض، والصوفية عندهم ضرب في الأرض، وأصوات منكرة عظيمة، وعندهم طبل، وعندهم دف، وعندهم أكثر من هذا، لكن عندهم أنهم يقومون يرقصون ويضربون في الأرض، ويدور الواحد يدور يدور حتى يدوخ، ثم بعد ذلك التجلي، ودخل في عالم الفناء، وصار يرى الله، وصار يرى الملائكة، والملأ الأعلى، ويقرأ من عند العرش، وكلام في الموضوع، وهكذا يقولون: كلما درت ودخت، وضربت، وكلما حمي الضرب كلما وصلت التحمت بالملأ الأعلى، والله يستر على الالتحام، هذا ماذا سيكون فيه من المصائب؟ لأنهم يأتونك بالأباطيل والترهات، والكلام المستبشع، الكلام الباطل، وأي دليل في قوله: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ على رقص الصوفية، أو ضربهم في الأرض، أو أن الضرب من الدين؟ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ضرب برجله الأرض نبع الماء، وهم يضربون بأرجلهم فينبع الباطل.
قال ابن عقيل: "أين الدلالة في مبتلى أمر عند كشف البلاء أن يضرب برجله الأرض لينبع الماء إعجازًا من الرب، ولئن جاز قوله  لموسى: اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ [البقرة: 60] دلالة على ضرب المحاد بالقضبان، نتعوذ بالله من التلاعب بالشرع". [تفسير القرطبي: 15/215]، خلاص نقول أيضاً: لما قيل لموسى: اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ [البقرة:60]، هذا دليل على جواز الطبل، أو أي شيء يضرب ليخرج أصواتًا.

الفوائد والدروس المستفادة من القصة

فوائد هذه القصة متعددة وكثيرة:
ومن ذلك أولاً: ثناء الله على أيوب؛ هذا النبي الكريم العظيم الذي يجب أن نعرف قصته وسيرته التي ذكرها الله لنا؛ لكي نقتدي بها.
ثانيًا: الإشادة بمناقب الأشخاص العظام فيها قدوة لمن بعدهم.
ثالثًا: الثناء على صبر أيوب، وَجَدْنَاهُ صَابِرًا [ص: 44]، وأهمية الصبر في البلاء، وكلما ابتلي أحد المؤمنين ذكر بصبر أيوب، وكلما نزل بلاء، الآن الناس عندهم سرطانات، وعندهم غسيل كلى، وعندهم أنواع من الأمراض، وعندهم هشاشة عظام، وعندهم شقيقة وصداع نصفي رهيب، وناس عندهم أنواع من الصرع، وأنواع من الوسوسة، وناس عندهم عين وسحر، وناس عندهم غرغرينة وجروح، وأشياء كثيرة قد يبتلى بها الناس، مهم جداً أن يقص عليهم قصة أيوب  الذي صار مضرب المثل في الابتلاء، والتضرع، والدعاء، والفرج بعد الشدة، وحصول النعمة، والرخاء بعد هذا البلاء، والحقيقة أن أيوب  لا يكاد يذكر أحد من أهل البلاء إلا ويقال: صبر أيوب.
خامسًا: الثناء على أيوب بهذا الوصف نِعْمَ الْعَبْدُ [ص: 44]، ورفعة مقام العبودية عند رب العالمين، وأن العبودية هذه مدح، وأن العبودية هذه ليست إذا قيلت عن شخص أو نبي الله أو عبد ليست تنزيلاً من مرتبته، هذه رفعة له الله  وصف نبيه ﷺ في أربع مواضع في كتابه أنه عبد الله، عبده، عبدنا.
سادسًا: الثناء على أيوب بكونه رجاع إلى الله، وأنه يفعل الطاعات ويترك المعاصي أواب.
وسابعًا: أن الأنبياء لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، وأن أيوب  قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ [ص: 41] إذًا لو كان الأنبياء يدفعون عن أنفسهم الضرر كان دفع أيوب عن نفسه، لكن لا يملكون ذلك، الذي يملك الضر والنفع هو الله ، ومع ذلك يأتي بعض الناس يقول: نذهب إلى قبر النبي، ونطلب منه، ونقول: يا رسول الله المدد، يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله أذهب الأذية، يا رسول الله هب لي ولدًا، يا رسول الله ثقل ميزاني، ويطلبون ويزعمون، واحد قال: يا رسول الله خلصت الإقامة وترحيل أنظر لي حل، يعني: تصل القضية ببعض الناس أنهم يصرون على الوقوع في الشرك مع أنهم جاءهم البيان.
وثامنًا: صدق اللجوء إلى الله، والفزع إليه عند الشدائد، أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء: 83]، وأهمية التضرع.
وتاسعًا: إضافة الأشياء إلى أسبابها، لأن أيوب أضاف الضر إلى الشيطان، أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ [ص: 41]، لأنه هو سبب البلاء.


عاشرًا: جواز التوسل إلى الله بحال العبد؛ لأن ايوب توسل إلى الله بحاله وبمصيبته، وشكا الضر الذي نزل به، والعذاب الذي حل به، وهذا نظير قول موسى : رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: 24].
يعني: أنا محتاج إليك يا رب، أنا فقير مفتقر إلى كرمك يا رب، وإلى أن تغنيني من فضلك، وهذا أحد أنواع التوسل الجائزة، لأن من أنواع التوسل: التوسل إلى الله بأسمائه، يا غفور اغفر لي.
أو التوسل إلى الله بصفاته، برحمتك أستغيث [رواه الترمذي: 3524، وصححه الألباني السلسلة: 227].
أو التوسل إلى الله بأفعاله، اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم.
أو التوسل إلى الله بذكر حال الداعي، مثل ما فعل أيوب .
أو التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح الذي ترجا إجابته، كتوسل عمر  بالعباس.
أو التوسل إلى الله بالإيمان، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا[آل عمران:16].
التوسل إلى الله بالعمل الصالح، مثل قصة الثلاثة في الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة.
أما التوسل إلى الله  بالأموات هذا توسل شركي، التوسل إلى الله  يجب أن يكون مشروعًا وإلا يترك، وما أكثر البدع في التوسل، ويتوسلون بالنبي الذي مات، وبالملك الغائب، يتوسلون بالرجل الصالح البعيد، وينادونه من بعيد، وهذا نوع من الشرك، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ[فاطر:14].
والحادي عشر: بيان إجابة الله للدعاء، وأنه أجاب، وأن الله يرجئ الإجابة لحكمة، ثمانية عشرة عامًا لبث أيوب في البلاء والله أجل لحكمة ، وازداد أيوب رفعة عند ربه، لو أنه أجابه من ثاني يوم، أو في نفس اليوم ما صار أيوب في نفس المرتبة، ولا صار مضرب مثل للأولين والآخرين، لكن الله أرجأ الإجابة ليصبح عبده أيوب مثلاً، ومضرب مثل في الصبر للأولين والآخرين.
والثاني عشر قدرة الله العظيمة، لما أنبع الماء بضرب رجل، مع أن ضرب الرجل في العادة ما يخرج ماء، إخراج الماء لا بدّ له من حفر ومجهود.
والثالث عشر: إثبات الأسباب، يعني ما يستطيع يحفر في حالته، لكن يضرب برجله، مع أن ضرب الرجل سبب ضعيف جداً، لكن الله يريد من عباده أن يتعلموا اتخاذ الأسباب مهما كانت ضعيفة، وقيل لمريم: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم: 25]، مع أنها امرأة ضعيفة في حال الوضع، والنخلة قوية جدا، وجذع النخلة قوي أقوى شيء فيها، ومع ذلك قال: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم: 25]، ليعلم عباده اتخاذ أدنى سبب، المقدور عليه اتخذه، وتوكل على الله.
والرابع عشر: أن الله قد يجعل السبب الضعيف يعمل ويؤثر.
والخامس عشر: كيف أن هذا الماء النابع من جوف الأرض كان باردًا صالحًا للشرب.
والسادس عشر: أنه طهر الباطن، وطهر الظاهر أيضاً.
والسابع عشر: أن الله يمن على العبد بأكثر مما فقد، الآن لو واحد ابتلي مثلاً ببلاء في صحته في ماله، فدعا ربه الله  يقدر ليس فقط أن يعيده مثلما كان، يعيده أحسن مما كان، ورد إليه ضعفي، أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ومن صبر ظفر.


والثامن عشر: أن ما حصل للإنسان من نعمة فبرحمة الله؛ لأن الله قال لما عوض أيوب: رَحْمَةً مِنَّا.
والتاسع عشر: أن القصة هذه فيها عبرة لأولي الألباب، ويجب على أصحاب العقول التمعن فيها، وأن يتذكروا بلاء أيوب، وأن الله رحمه، وأن في بلائه مثلاً، وأن فيه عبرة للبشرية، وأن فيه حسن عاقبة لمن صبر، والإشارة للعابدين إلى مغزى هذه القصة، وأن العباد متعرضون للابتلاء، وأن الله لا يبتلي فقط الفساق والفجار، ممكن يبتلي العباد، أيوب كان عابدًا كان صالحًا، ما كان عاصيًا لما ابتلاه الله ، بل إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه.
وكذلك أن المسلم عليه أن يتحمل في سبيل الله.
وأن المصائب تأتي على الرسل.
وأن الشيطان ممكن يسلط على الأنبياء، والشيطان سلط على سليمان  في قصة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سُحر واستعان اليهود بالشياطين.
والإنسان إذا التجأ إلى ربه، ودعا فإن الله يجيبه، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل: 62].
وأن الله يأتي بالفرج بعد الشدة، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، وأن زوال كرب النبي ﷺ، هذه فائدة زوال كرب أيوب، فالله  من رحمته بأيوب أنه ما أحوجه إلى خلق آخر، ما قال: اذهب إلى فلان يعمل لك، يزول بلاؤك، لا جعل الله زوال بلاء أيوب على يد أيوب نفسه، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ونبع الماء، واغتسل وشرب، وهذه فيها نعمة عظيمة أن الواحد ما يحتاج إلى الآخرين، لكي يعالج نفسه، أو يعمل لكي يزيل ما به، وفيه أن الله  يعلم عباده أن الشفاء له سبب، يعني هذا الماء كان سبب لشفاء أيوب، اغتسل به، وشرب منه، وعالج نفسه، ممكن كان يزول المرض بدون سبب فجأة، لكن الله يريد أن يعلم عباده الأسباب، والبحث عن الشفاء والعلاج لكي يزول المرض، إن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله [رواه الحاكم في المستدرك: 7423، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 451].
وأن الابتلاء بالشدائد لا يعني هوان المبتلى على الله، ممكن يكون المبتلى بمنزلة عند الله، يبتلى زيادة، أو يكون في عافية فيبتلى.
وأن الله يمتحن بالضراء كما يمتحن بالسراء، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35]، والحكم عظيمة زيادة الحسنات، تكفير السيئات، ورفعة الدرجات.


واستعمال الحيلة المباحة: قوله: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ [ص: 44]، لكن يجب أن توافق الدليل الشرعي، والآن في فتوى من الله لأيوب، أيوب ما فعلها حيلة والتفافًا على النص.
وكذلك فإن المخالفة في اليمين في الأصل حرام، لا تحنث لكن الله يسر على عباده، فأجاز لهم الحنث مع الكفارة، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ [المائدة: 89] الآية.
قال العلماء: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة: 89]، لا تكثروا اليمين، احفظوها من الحنث لا تحنثوا فيها، والإنسان ينبغي له أن يحفظ يمينه، فلا يحنث لكن إذا كان الحنث خيرًا حنث.
ولذلك فإن العلماء لما ذكروا أحكام الحنث في اليمين، قالوا: إنه إذا حلف ألا يصلي مع الجماعة ما حكم الحنث في اليمين؟ واجب، وإذا حلف أن يشرب الخمر ما حكم الحنث في اليمين؟ واجب، وإذا حلف ألا يشرب الخمر ما حكم الحنث في اليمين؟ حرام، وإذا حلف ألا يصلي الظهر ما حكم الحنث؟ واجب، وكذلك فإنه إذا حلف على شيء مستحب، فلا يحنث، وإذا حلف على شيء مكروه فإنه يكفر، ولا يفعله.
وإثبات الأسباب ونسبة الشيء إلى سببه.
وتضمنت هذه الآية جواز ضرب الرجل امرأته تأديبًا، وامرأة أيوب أخطأت فحلف ليضربنها، فالله  أوحى إليه أن يضربها بعثكول من عثاكيل النخل، وهذا للتأديب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: واضربوهن ضربًا غير مبرح [رواه مسلم: 1218]، قال الله: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء: 34]، والسنة فسرتها أنه غير مبرح، وليس للعبد أن يعترض على الله بما امتحنه.
وأن الله  يحب من عبده إذا ابتلاه بمصيبة أن يصبر، وعلى عباد الله أن يتواصوا بالصبر.
ونأخذ فائدة عظيمة من بقاء الرجلين الصالحين مع أيوب يزورانه، وأن على الإنسان المسلم أن يساعد أخاه إذا ابتلي، وأن يقف بجانبه، والمساندة المعنوية، والمساندة المادية للمبتلى مهم جداً لكي لا يجد نفسه وحيدًا.


ونرى كذلك أهمية موقف الزوجة الوفية لزوجها، كيف أنها وفت له، ولم تتركه، وقليل ما هن، ولكننا نجد أن الوفاء في الزوجات إذا ابتلي الزوج أكثر من وفاء الأزواج إذا ابتليت الزوجة، هذه لا بدّ أن نعترف فيها، وأظن الواقع يشهد بهذا، ولو علينا معشر الرجال، قل الحق ولو على نفسك، المرأة إذا ابتليت زوجها قد لا يصبر عليها، ويطلقها، يقول: ما فيها وآخذ واحدة أخرى، وأنا الآن أتكلف مصاريفها وعلاجها، لكن إذا ابتلي الرجل ومرض، وصار في أمر صعب تجد أن زوجته قابلة أن تصبر معه أكثر مما هو يصبر معها إذا مرضت، فعلى أية حال إشادة بموقف الزوجة الوفية في قصة أيوب  وكيف كانت تأخذ زوجها، وترجع بزوجها، ويعتمد عليها، حتى قيل: إنه كان أحيانًا يتعلق بقرونها ليقوم.
وأيضاً نجد في هذه القصة أنه يجوز للمصاب العمل على رفع المصيبة، وتقليل الضرر، وليس معنى ذلك أن الإنسان إذا ابتلي بمصيبة، يقول: أبقى في المصيبة، ولا أفعل شيئًا لإزالتها ورفعها، بل إن من الحكم أن يسعى في إزالته، وأيوب دعا ربه، وفي الآيات أن الشكوى إلى الله مشروعة، أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[الأنبياء: 83]، هذه الشكوى، لكن الشكوى لله عبادة، والشكوى للمخلوق مذلة.
وأن الشكوى لله لا تتنافى مع الصبر، إذا واحد شكا لله ما هو شكا الله، لأن في ناس يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم، ربما يقول للناس انظروا ربي ماذا قدر عليّ، هذا يشكو ربه إلى الناس، لكن هنا أيوب يشكو حاله إلى ربه، ماذا قال يعقوب: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف: 86].
فإذًا الشكوى إلى الله عبادة، بعض المرضى يشكو إلى الطبيب، وماذا سيفعل لك هو؟ يعطيك علاج، ولكن ليس بيده الشفاء، الشفاء بيد الله، لا شفاء إلا شفاؤك [رواه البخاري: 5675]، لا شافي إلا أنت، الدكتور هذا سبب يمكن يأثر، ويمكن ما يأثر.
وأخيرًا: فإنه ينبغي لأهل الخير أن يثنوا على الله ، وأن يثنوا على عباده الصالحين، الحقيقة أنه ينبغي إحياء سيرة الصابرين، وذكر سيرة أهل البلاء؛ لكي يحدث الاقتداء والتأسي بهم.
ونسأل الله  أن نكون ممن أحيا الله بهم سير أنبيائه وأوليائه، ونحن نحتاج أيضاً إلى أن ننشر هذه السيرة، وأن نأتي نذكر سيرة هذا النبي الكريم لأولادنا، وأهلينا، وإخواننا، وأصدقائنا، وأقاربنا، لأن مثل هذا الموقف يمر به الناس، ما يخلو أحد إلا أن يمر بابتلاء أو محنة، ويكون ذكر القصة هذه فيها غاية التصبير والتواصي بالحق والصبر.
نسأل الله  أن يجعلنا من الصابرين، وأن يعافينا في الدنيا والآخرة إنه هو السميع العليم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. 
 ====================
ومن منتديات مشكاة جاء:
أيوب عليه السلام.
 
نسبه عليه السلام
قال ابن إسحاق: كان رجلاً من الروم وهو أيوب بن موص بن زارح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.
وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام. وقيل كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه.
والمشهور هو القول الأول، لأنه من ذرية إبراهيم كما قررنا عند قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ...} الآيات .
من أن الصحيح أن الضمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السلام.
وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ} الآية.
قصته عليه السلام
قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.
وقال تعالى في سورة ص: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم: كان أيوب رجلاً كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه، من الأنعام، والعبيد، والمواشي، والأراضي المتسعة بأرض البثينة من أرض حوران.
وحكى ابن عساكر أنها كلها كانت له، وكان له أولاد وأهلون كثير، فسلب من ذلك جميعه، وابتلى في جسده بأنواع البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بها، وهو في ذلك كله صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره، وصباحه ومسائه.
وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وأخرج من بلده، وألقي على مزبلة خارجها، وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها، وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه، فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته.
وضُعف حالها، وقل ما لها، حتى كانت تخدم الناس بالأجر، لتطعمه وتقود بأوده رضي الله عنها وأرضاها، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد، وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد، وخدمة الناس بعد السعادة، والنعمة، والخدمة، والحرمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه)).
ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام إلا صبراً واحتساباً وحمداً وشكراً، حتى أن المثل ليضرب بصبره عليه السلام، ويضرب المثل أيضاً بما حصل له من أنواع البلايا.
وعن مجاهد أنه قال: كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري، وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال؛ فزعم وهب أنه ابتلي ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص.
وقال أنس: ابتلي سبع سنين وأشهراً، وألقى على مزبلة لبني إسرائيل تختلف الدواب في جسده، حتى فرَّج الله عنه، وعظم له الأجر، وأحسن الثناء عليه.
وقال حميد: مكث في بلواه ثمانية عشرة سنة.
وقال السدي: تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته، فلما طال عليها
قالت: يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك،
فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحاً، فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة، فجزعت من هذا الكلام، وكانت تخدم الناس بالأجر وتطعم أيوب عليه السلام.
ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفاً أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحداً يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها، بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب،
فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره.
فقالت: خدمت به أناساً
فلما كان الغد لم تجد أحداً، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضاً، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً قال في دعائه:
{أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال:
كان لأيوب أخوان، فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما لصاحبه: لو كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط.
قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعاناً وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصدق من السماء وهما يسمعان.
ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط وأنا أعلم مكان عار، فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان.
ثم قال: اللهم بعزتك وخر ساجداً، فقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبداً حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف عنه.
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له، كانا يغدوان إليه ويروحان،
فقال أحدهما لصاحبه: يعلم الله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين
قال له صاحبه: وما ذاك؟
قال: منذ ثماني عشر سنة لم يرحمه ربه فكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له.
فقال أيوب: لا أدري ما تقول غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق)).
قال: ((وكان يخرج في حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن
{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}
فاستبطأته فتلقته تنظر، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان،
فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، فوالله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً،
قال: فإني أنا هو)).
قال: ((وكان له أندران: أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض)).
وهذا الحديث غريب رفعه جداً، والأشبه أن يكون موقوفاً.
عن ابن عباس قال: وألبسه الله حلة من الجنة فتنحى أيوب وجلس في ناحية، وجاءت امرأته فلم تعرفه.
فقالت: يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة.
قال: ولعل أنا أيوب.
قالت: أتسخر مني يا عبد الله؟
فقال: ويحك أنا أيوب، قد رد الله عليّ جسدي.
قال ابن عباس: ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم ومثلهم معهم.
وقال وهب بن منبه: أوحى الله إليه: قد رددت عليك أهلك، ومالك، ومثلهم معهم فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك، وقرب عن صحابتك قرباناً، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك. رواه ابن أبي حاتم.
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((لما عافى الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ بيده ويجعل في ثوبه
قال: فقيل له يا أيوب أما تشبع؟
قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك)).
أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((بينما أيوب يغتسل عرياناً خرّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه عز وجل: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى.
قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك)).
وقوله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ}
أي: اضرب الأرض برجلك فامتثل ما أمر به، فأنبع الله له عيناً باردة الماء، وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض، الذي كان في جسده ظاهراً وباطناً، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة، وجمالاً تاماً، ومالاً كثيراً حتى صب له من المال صباً مطراً عظيماً جراداً من ذهب.
وأخلف الله له أهله كما قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ}
فقيل: أحياهم الله بأعيانهم،
وقيل: آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة.
وقوله: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي: رفعنا عنه شدته، وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به، ورأفة وإحساناً.
{وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أي: تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب، حتى فرج الله عنه.
عن ابن عباس: رد الله إلي إمرأته شبابها، وزادها حتى ولدت له ستة وعشرون ولداً ذكراً.
وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية، ثم غيروا بعده دين إبراهيم.
وقوله: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}
هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام، فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط
فقيل: حلفه ذلك لبيعها ضفائرها.
وقيل: لأنه عرضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب، فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان، فحلف ليضربها مائة سوط.
فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثاً، وهو كالعثكال الذي يجمع الشماريخ فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة، ويكون هذا منزلا منزلة الضرب بمائة سوط، ويبر ولا يحنث، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة، البارة الراشدة، رضي الله عنها.
ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
وقد استعمل كثير من الفقهاء هذه الرخصة في باب الإيمان والنذور، وتوسع آخرون فيها حتى وضعوا كتاب الحيل في الخلاص من الإيمان.
وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ: أن أيوب عليه السلام لما توفي كان عمره ثلاثاً وتسعين سنة، وقيل: إنه عاش أكثر من ذلك،
وقد روى ليث عن مجاهد ما معناه: أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء، وبيوسف عليه السلام على الأرقاء، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء، رواه ابن عساكر بمعناه.
وأنه أوصى إلى ولده حومل، وقام بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم.
 ===================رد
 كان أيوب -عليه السلام- نبيا كريمًا يرجع نسبه إلى إبراهيم الخليل -عليه السلام-، قال تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون)[الأنعام: 84].
وكان أيوب كثير المال والأنعام والعبيد، وكان له زوجة طيبة وذرية صالحة؛ فأراد الله أن يختبره ويمتحنه، ففقد ماله، ومات أولاده، وضاع ما عنده من خيرات ونعم، وأصابه المرض، فصبر أيوب على ذلك كله، وظل يذكر الله
-عز وجل- ويشكره.
ومرت الأيام، وكلما مر يوم اشتد البلاء على أيوب، إلا أنه كان يلقى البلاء الشديد بصبر أشد، ولما زاد عليه البلاء، انقطع عنه الأهل، وابتعد عنه الأصدقاء، فصبر ولم يسخط أو يعترض على قضاء الله.
وظل أيوب في مرضه مدة طويلة لا يشتكي، ولا يعترض على أمر الله، وظل صابرًا محتسبًا يحمد الله ويشكره، فأصبح نموذجا فريدًا في الصبر والتحمل.
وبعد طول صبر، توجه أيوب إلى ربه؛ ليكشف عنه ما به من الضر والسقم: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)[الأنبياء: 83]، فأوحى الله إلى أيوب أن يضرب الأرض بقدمه، فامتثل أيوب لأمر ربه، فانفجرت عين ماء باردة فاغتسل منها؛ فشفي بإذن الله، فلم يبق فيه جرح إلا وقد برئ منه، ثم شرب شربة فلم يبق في جوفه داء إلا خرج، وعاد سليمًا، ورجع كما كان شابًا جميلاً، قال تعالى: (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر)[الأنبياء: 84].
ونظرت زوجة أيوب إليه، فوجدته في أحسن صورة، وقد أذهب الله عنه ما كان به من ألم وأذى وسقم ومرض، وأصبح صحيحًا معافى، وأغناه الله، ورد عليه ماله وولده، قال تعالى: (وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا)[الأنبياء: 84].
وقد جعل الله -عز وجل- أيوب -عليه السلام- أسوة وقدوة لكل مؤمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه. قال النبي ص: "بينما أيوب يغتسل عريانًا خرَّ عليه رِجْل جراد (جماعة من الجراد) من ذهب، فجعل يحثي (يأخذ بيديه) في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك" [البخاري].
ولد "أيوب" – عليه السلام – بإحدى قرى بلاد الشام، وكان أبوه "موص بن رزاح" من أحفاد "إبراهيم" الخليل – عليه السلام، وكان على دينه.
وقد نشأ "أيوب" على دين أبيه وجده "إبراهيم" الخليل – عليه السلام- وكان ثريًّا له مال كثير وتجارة كبيرة، ويمتلك الكثير من المواشي والأراضي ، لكنه – مع كل هذا الجاه والثراء – كان متواضعًا محبًّا للخير، يكثر من التصدق بماله، والإنفاق على الفقراء والمحتاجين؛ فأحبه الناس، وصارت له منزلة كبيرة في قلوبهم، ومكانة عظيمة بينهم .
رزق الله- تعالى- "أيوب" – عليه السلام - الكثير من الأولاد، فزاده ذلك شكرًا لله، وتواضعًا للناس وحبًّا للخير . عاش "أيوب" – عليه السلام – في سعادة وهناء، بين قومه وأولاده ، ينعم بما حباه الله من نعيم وثراء، ويؤدى حق الله في ماله للفقراء والمساكين , ولكن الأمور لم تستمر على هذا النحو من السعادة والهناء ، فسرعان ما تغيرت الحال بنبي الله "أيوب" وتبدلت حياته على نحو عجيب .
فقد ابتلاه الله- تعالى- في ماله وأهله وولده، فذهب ماله ، وفقد أولاده، حتى لم يبق من ذلك كله إلا زوجته، وأصابه المرض في كل أعضاء جسده، وطال مرضه حتى نفر الناس منه ، وضاق به أهله ، فلم يعد يزوره أحد من أقاربه ، وخاف الناس من مخالطته حتى لا يعديهم بمرضه ، ولم يعد أحد يحنو عليه سوى زوجته التي ترعى له حقه .
ولما اشتد به المرض أخرجه الناس من بلده ، وألقوه في مكان بعيد خارجه ، فكانت زوجته تتردد إليه , فتقوم على خدمته ، وتقضى حوائجه ، وتعينه على أموره , فقد كانت تلك الزوجة صورة مشرقة للوفاء والإخلاص للزوج.
وظلت زوجة نبي الله "أيوب" تخدمه وترعاه ، ولا تقصر في القيام بواجبها نحوه ، حتى ضعفت قوتها ، وهزل جسمها، وقل مالها ، فباعت كل شيء ، حتى لم تعد تملك شيئًا تنفقه على زوجها في مرضه , فكانت تخدم الناس بالأجر لتوفر لزوجها ما يحتاج إليه من طعام ، وظلت صابرة على ما حل بها ، مؤمنة بقضاء الله ، واثقة برحمته وعدله ، فلم تيأس يومًا ، ولم تسخط ، أو يتسرب الشك إلى قلبها في لحظة من اللحظات .
وكان "أيوب" – عليه السلام- مؤمنًا صابرًا على الرغم من مرضه ، وما ابتلاه الله به من فقر وحاجة ، ونفور الناس منه ، وابتعادهم عنه ، وكان كل ذلك لا يزيده إلا إيمانًا وصبرًا ، وحمدًا، ودعاءً وشكرًا .
وكانت زوجته حينما تراه على هذه الحال ترق له ، وتشفق عليه ، فلما طال عليه المرض قالت له : يا "أيوب" ، لو دعوت ربك لفرج عنك . فقال لها "أيوب" – عليه السلام - بإيمان صادق عميق :
- لقد عشت سبعين سنة صحيحًا ، فهل كثير لله أن أصبر سبعين سنة ؟!
ومرت أعوام كثيرة و" أيوب" – عليه السلام – في مرضه ، صابر محتسب ، وكانت زوجته المؤمنة الوفية تأتيه كل يوم فتطعمه وتخدمه ، وترعى شئونه.
وزاد المرض على " أيوب " – عليه السلام – وخاف الناس أن يصيبهم ما أصابه، فلم يعد أحد منهم يقبل أن تعمل زوجة " أيوب " عنده أو تخدمه حتى لا تعديهم بمخالطته ، ولم تجد تلك الزوجة الصابرة ما تنفقه ، فباعت إحدى ضفائرها لبعض بنات الأشراف لتزين بها شعرها ، واشترت بثمنها طعامًا كثيرًا لزوجها ، فلما جاءته به تعجب " أيوب " وسألها :
- من أين لك هذا ؟! وخشيت زوجته أن تضايقه بما فعلت فقالت له :
خدمت به أناسًا .
ولكن " أيوب " – عليه السلام – كان يشعر أنها تخفى عليه أمرًا ، فلم يلح عليها بالسؤال .
ومرت أيام، ولم تجد زوجة " أيوب " ما تشترى به الطعام لزوجها ، فباعت الضفيرة الأخرى ، واشترت طعامًا ، فلما أتت إلى " أيوب " – عليه السلام – سألها عنه ، وحلف ألا يأكل شيئًا منه حتى تخبره من أين جاءت به ؟!
ولم تجد تلك الزوجة المؤمنة ما ترد به على زوجها ، فكشفت خمارها عن رأسها، فلما رأى ما فعلت بشعرها ، نظر إليها نظرة حزينة حانية ، وترقرقت في عينيه دمعة تفيض بالحزن والأسى .
وبينما كان "أيوب"- عليه السلام- حزينًا مهمومًا، مر به رجلان ، فلم يستطيعا أن يقتربا منه لمرضه ، فقال أحدهما للآخر :
- لو كان الله علم من " أيوب " خيرًا ما ابتلاه بهذا !
وسمعهما " أيوب " – عليه السلام- فحزن حزنًا شديدًا ، وتوجه إلى الله بالدعاء أن يفرج عنه ما هو فيه من ضر وبلاء وقال :
"وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)" (الأنبياء)
واستجاب الله دعاء نبيه وعبده المؤمن الصابر " أيوب " فكشف عنه الضر، وشفاه من مرضه, وحينما جاءته زوجته كعادتها لتقدم له الطعام ، وتقوم على خدمته ورعايته ، لم تعرفه، فسألته :
- يا عبد الله . هل رأيت رجلاً مريضًا كان نائمًا في هذا المكان ؟!
فنظر إليها " أيوب "- عليه السلام- ولم يجبها ، فبكت وازداد بكاؤها .
ثم قال لها نبي الله "أيوب" ضاحكًا : أنا " أيوب " ! فقالت له باكية : أتسخر منى يا عبد الله ؟! فلما نظرت إليه جيدًا عرفته ، ففرحت بشفائه فرحًا شديدًا ، وعاش " أيوب "- عليه السلام- بعد ذلك سبعين سنة، رزقه الله خلالها كثيرًا من الأولاد ، وأنعم عليه بالنعم الكثيرة ، وعوضه عما فقده من مال وبنين .
وظل "أيوب" – عليه السلام – يؤدى رسالته ، ويدعو قومه إلى الإيمان بالله – تعالى- والتمسك بدينه ، حتى توفاه الله تعالى.
المصدر.

رد مع اقتباس
03-10-11, 2:40 PM #4
عيسى محمد شخصية مهمة
تاريخ التسجيل2 - 11 - 2006الدولةالمغربالمشاركات14,668
قال ابن إسحاق: كان رجلاً من الروم، وهو أيوب بن موصى بن رازخ بن العيص ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل. وقال غيره: هو أيوب بن موصى بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن يعقوب، وقيل غير ذلك في نسبه. وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام، وقيل: كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقى في النار لحرقه.
والمشهور الأول؛ لأنه من ذرية إبراهيم، كما قررنا عند قوله تعالى:
{وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ } (سورة الأنعام:84) .
ومن أن الصحيح أن الضمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السلام. وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى:
{إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ } (سورة النساء:163) .
فالصحيح أنه من سلالة العيص بن إسحاق، وامرأته قيل اسمها: "ليا" بنت يعقوب، وقيل: رحمة بنت أفراثيم، وقيل: ليا بنت منسا بن يعقوب. وهذا أشهر فلهذا ذكرناه هاهنا. ثم نعطف بذكر أنبياء بني إسرائيل بعد ذكر قصته إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان.
قال تعالى:
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * {فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } (سورة الأنبياء:83ـ84) .
وقال تعالى في سورة ص:
{وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * {ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (سورة ص:41ـ44) .
وروي ابن عساكر من طريق الكلبي أنه قال: أول نبي بعث إدريس، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل، ثم إسحاق، ثم يعقوب، ثم يوسف، ثم لوط، ثم هود، ثم صالح، ثم شعيب، ثم موسى وهارون، ثم إلياس، ثم اليسع، ثم عرفي بن سويلخ بن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب، ثم يونس بن متى من بني يعقوب، ثم أيوب بن رازخ بن آموص بن ليفرز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم. وفي بعض هذا الترتيب نظر فإن هوداً وصالحاً: المشهور أنهما بعد نوح وقبل إبراهيم. والله أعلم.
قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم: كان أيوب رجلاً كثير المال من سائر صنوفه وأنوعه؛ من الأنعام والعبيد والمواشي؛ والأراضي المتسعة بأرض الثنية من أرض حوران. وحكى ابن عساكر: أنها كلها كانت له، وكان له أولاد وأهلون كثير. فسلب منه ذلك جميعه، وابتلى في جسده بأنواع من البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بهما، وهو في ذلك كله صابر محتسب، ذاكر الله عز وجل في ليله ونهاره وصباحه ومسائه.
وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وأخرج من بلده وألقى على مزبلة خارجها، وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته، وضعف حالها وقال مالها، حتى كانت تخدم الناس بالأجر؛ لتطعمه وتقوم بأوده، رضي الله عنها وأرضاها، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد، وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد وخدمة الناس، بعد السعادة والنعمة والخدمة والحرمة. فإنا لله وإنا إليه راجعون!.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل"
وقال: "يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه"
ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام، ويضرب المثل أيضاً بما حصل له من أنواع البلايا. وقد روى عن وهب بن منبه وغيره من علماء بني إسرائيل في قصة أيوب خبر طويل؛ في كيفية ذهاب ماله وولده وبلائه في جسده، والله أعلم بصحته. وعن مجاهد أنه قال: كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري.
وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال: فزعم وهب أنه ابتلى ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص. وقال أنس: ابتلى سبع سنين وأشهراً، وألقى على مزبلة لبنى إسرائيل تختلف الدواب في جسده حتى فرج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن الثناء عليه. وقال حميد: مكث في بلواه ثماني عشرة سنة.
وقال السدي: تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته، فلما طال عليها، قالت: يا أيوب، لو دعوت ربك لفرج عنك، فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحاً، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة؟ فجزعت من هذا الكلام، وكانت تخدم الناس بالأجر، وتطعم أيوب عليه السلام.
ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها؛ لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفاً أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحداً يستخدمها، عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناساً. فلما كان الغد لم تجد أحداً فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به، فأنكره أيضاً، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقا قال في دعائه: (ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان لأيوب أخوان، فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد. قال أحدهما لصاحبه: لو كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع مثله من شيء قط، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعاناً وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصدق من السماء وهما يسمعان. ثم قال: الله إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط، وأنا أعلم مكان عار فصدقني. فصدق من السماء وهما يسمعان. ثم قال: اللهم بعزتك، وخر ساجداً، فقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبداً حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف عنه.
وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاً: حدثنا يونس، عن عبد الأعلى، أنبأنا ابن وهب، أخبرني نافع بن يزيد، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقول؟ غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلي بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق".
قال: "وكان يخرج في حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى الله إلي أيوب في مكانه، أن
{ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } (سورة ص:42) .
فاستبطأته فتلقته تنظر، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك! هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ فوالله القدير على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً، قال: فإني أنا هو، قال: وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض"
لفظ ابن جرير، وهكذا رواه بتمامه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن الحسن بن قتيبة، عن حرملة، عن ابن وهب به. وهذا غريب رفعه جداً، والأشبه أن يكون موقوفاً.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أنبأنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: وألبسه الله حلة من الجنة، فتنحى أيوب وجلس في ناحية، فجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت: يا عبد الله، أين ذهب هذا المبتلى الذي كان هاهنا؟ لعل الكلاب ذهب به أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة، فقال: ويحك أنا أيوب‍ قالت: أتسخر مني يا عبد الله؟ فقال ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي.
قال ابن عباس: ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم، ومثلهم معهم.
وقال وهب بن منبه: أوحى الله إليه: قد رددت عليه أهلك ومالك ومثلهم معهم فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك، وقرب عن صحابتك قرباناً، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك. رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عمرو بن مرزوق، حدثنا همام، عن قتادة عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما عافى الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذه بيده ويجعل في ثوبه، قال فقيل له: يا أيوب أما تشبع؟ قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك"
وهكذا رواه الإمام احمد عن أبي داود الطيالسي، وعبد الصمد، عن همام، عن قتادة به، ورواه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد الأزدي، عن إسحاق ابن راهويه، عن عبد الصمد به، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، وهو على شرط الصحيح، فالله أعلم.
وقال الإمام احمد: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أرسل على أيوب رجل من جراد من ذهب، فجعل يقبضها في ثوبه، فقيل: يا أيوب، ألم يكفك ما أعطيناك؟ قال: أي رب ومن يستغني عن فضلك؟. هذا موقوف. وقد روى عن أبي هريرة من وجه آخر مرفوعاً.
وقال الإمام احمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما أيوب يغتسل عرياناً خر عليه رجل جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فناداه ربه عز وجل: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكني لا غنى لي عن بركتك". رواه البخاري من حديث عبد الرزاق به
وقوله:
{ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } (سورة ص:42) .
أي: اضرب الأرض برجلك، فامتثل ما أمر به، فأنبع الله عيناً باردة الماء، وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى، والسقم والمرض، الذي في جسده ظاهراً وباطناً، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة، وجمالاً تاماً ومالاً كثيراً؛ حتى صب له من الماء صباً، مطراً عظيماً جراداً من ذهب.
وأخلف الله له أهله، كما قال تعالى: (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) فقال: أحياهم الله بأعيانهم، وقيل: آجره فيمن سلف، وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة. وقوله: (رحمة من عندنا) أي: رفعنا عنه شدته وكشفنا ما به من ضر، رحمة منا به ورأفة وإحساناً.
{وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } (سورة الأنبياء:84) .
أي: تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب؛ حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب؛ حتى فرج الله عنه.
ومن فهم من هذا اسم امرأته فقال: هي "رحمة" من هذه الآية فقد أبعد النجعة وأغرق النزع. وقال الضحاك عن ابن عباس: رد الله إليها شبابها وزادها حتى ولدت له ستة وعشرين ولداً ذكراً. وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية، ثم غيروا بعده دين إبراهيم. وقوله:
{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (سورة ص:44) .
هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام، فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط، فقيل: حلف ذلك لبيعها ضفائرها، وقيل: لأنه عارضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب، فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان، فحلف ليضربنها مائة سوط. فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثاً، وهو كالعثكال الذي يجمع الشماريخ، فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة، ويكون هذا منزلاً منزلة الضرب بمائة سوط ويبر ولا يحنث. وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه ،ولاسيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة البارة الراشدة، رضي الله عنها.
ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله: (إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب) وقد استعمل كثير من الفقهاء هذه الرخصة في باب الإيمان والنذور، وتوسع آخرون لها حتى وضعوا كتاب الحيل في الخلاص من الإيمان، وصدروه بهذه الآية الكريمة، وأتوا فيه بأشياء من العجائب والغرائب، وسنذكر طرفاً من ذلك في كتاب "الأحكام" عند الوصول إليه إن شاء الله.
وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ: أن أيوب عليه السلام لما توفى كان عمره ثلاثاً وتسعين سنة، وقيل: إنه عاش أكثر من ذلك. وقد روى ليث عن مجاهد ما معناه: أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء، وبيوسف عليه السلام على الأرقاء، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء. رواه ابن عساكر بمعناه
وأنه أوصى إلي ولده "حومل" وقام بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه "ذو" الكفل" فالله أعلم، ومات ابنه هذا وكان نبياً فيما يزعمون وكان عمره من السنين خمساً وسبعين. ولنذكر هاهنا قصة ذي الكفل؛ إذ قال بعضهم: إنه ابن أيوب عليهما السلام، وهذه هي:
قصة ذي الكفل
الذي زعم قومه أنه ابن أيوب
قال الله تعالى بعد قصة أيوب في سورة الأنبياء:
{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } * {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } (سورة الأنبياء:85ـ86)
وقال تعالى بعد قصة أيوب أيضاً في سورة ص:
{وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } * {إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } * {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } * {وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } (سورة ص:45ـ48(.
فالظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقروناً مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي، عليه من ربه الصلاة والسلام، وهذا هو المشهور. وقد زعم آخرون أنه لم يكن نبياً، وإنما كان رجلاً صالحاً، وحكماً مقسطاً عادلاً، وتوقف ابن جرير في ذلك، فالله أعلم. وروى ابن جرير وابن أبي نجيح عن مجاهد: أنه لم يكن نبياً وإنما كان رجلاً صالحاً، وكان قد تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم، ويقضي بينهم بالعدل فمسي ذا الكفل.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق داود بن أبي هند، عن مجاهد أنه قال: لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي، حتى انظر كيف يعمل؟. فجمع الناس فقال: من يتقبل مني بثلاث استخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب.
قال: فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب؟ قال: نعم، قال: فرده ذلك اليوم، وقال مثلها في اليوم الآخر، فسكت الناس، وقام ذلك الرجل فقال: أنا، فاستخلفه.
قال: فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ذلك، فقال: دعوني وإياه، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة، فدق الباب فقال: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم، قال: فقام ففتح الباب فجعل يقص عليه، فقال: إن بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا وجعل يطول عليه حتى حضر الرواح وذهبت القائلة، فقال: إذا رحت فإني آخذ لك بحقك.
فانطلق وراح فكان في مجلسه، فجعل ينظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام يتبعه، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه، فلما رجع لى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال: الشيخ الكبير المظلوم. ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فائتني؟ فقال: إنهم أخبث قوم، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك، وإذا نمت جحدوني. قال: فانطلق فإذا رحت فائتني.
قال: ففاتته القائلة، فراح ينتظر فلا يراه، وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق علي النوم، فلما كان تلك الساعة جاء، فقال له الرجل: وراءك وراءك. فقال: إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري. فقال: لا والله، لقد أمرنا أن لا ندع أحداً يقربه، فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها، فإذا هو في البيت، وإذا هو يدق الباب من داخل، قال: فاستيقظ الرجل، فقال: يا فلان ألم آمرك؟ قال: أما من قبلي والله فلم تؤت، فانظر من أين أتينا؟.
قال: فقام إلي الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه، وإذا الرجل في البيت فعرفه، فقال: أعدو الله؟ قال: نعم، أعييتني في كل شيء ففعلت كما ترى لأغضبك. فسماه الله ذا الكفل، لأنه تكفل بأمر فوفى به. وقدر روى ابن أبي حاتم أيضاً عن ابن عباس قريباً من هذا السياق، وهكذا روي عن عبد الله بن الحارث ومحمد بن قيس وابن حجيرة الأكبر، وغيرهم من السلف نحو هذا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الجماهر، أنبأنا سعيد بن بشير، حدثنا قتادة، عن كنانة بن الأخنس، قال: سمعت الأشعري ـ يعني أبا موسى رضي الله عنه ـ وهو على هذا المنبر يقول: ما كان ذو الكفل نبياً ولكن كان رجلاً صالحاً يصلي كل يوم مائة صلاة، فتكفل له ذو الكفل من بعده فكان يصلي كل يوم مائة صلاة، فمسي ذا الكفل. ورواه ابن جرير عن طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: قال أبو موسى الأشعري، فذكره منقطعاً.
فأما الحديث الذي رواه الإمام احمد: حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعد مولى طلحة، عن ابن عمر قال: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين ـ حتى عد سبع مرات ـ لم أحدث به، ولكني قد سمعته أكثر من ذلك قال: "كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال لها: ما يبكيك؟ أأكرهتك؟ قالت: لا، ولكن هذا عمل لم أعمله قط، وإنما حملتني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط، ثم نزل وقال: اذهبي بالدنانير لك، ثم قال والله لا يعصي الله الكفل أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوباً على بابه: قد غفر الله للكفل"
رواه الترمذي من حديث الأعمش به، وقال: حسن، وذكر أن بعضهم رواه فوقفه على ابن عمر. فهو حديث غريب جدا‍ً، وفي إسناده نظر، فإن سعداً هذا قال أبو حاتم: لا أعرفه إلا بحديث واحد. ووثقه ابن حبان، ولم يرو عنه سوى عبد الله بن عبد الله الرازي هذا، فالله أعلم. وإن كان محفوظاً فليس هو ذا الكفل، وإنما لفظ الحديث الكفل من غير إضافة، فهو رجل آخر غير المذكور في القرآن. فالله تعالى أعلم
المصدر.

رد مع اقتباس
03-10-11, 2:42 PM #5
عيسى محمد شخصية مهمة
تاريخ التسجيل2 - 11 - 2006الدولةالمغربالمشاركات14,668
هل نذر أيوب عليه السلام أن يضرب زوجته مائة ضربة ؟
السؤال:
عند سماعي لقصة نبي الله أيوب عليه السلام سمعت أنه كان قد نذر نذرا لله إذا شافاه أن يضرب زوجته مائة ضربة ، فهل هذا صحيح ، ولماذا نذر مثل هذا النذر ؟
الجواب :
الحمد لله
يذكر المفسرون قصة حلف أيوب عليه السلام أن يجلد زوجته مائة جلدة في تفسير قول الله عز وجل : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) سورة ص/44 .
غير أنه لم يرد في بيان سبب حلف أيوب عليه السلام هذا اليمين حديث مرفوع صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" وهذا له قصة أخرى أشارت إليها الآية إجمالا ، ولم يرد في تعيينها أثر صحيح " انتهى.
" التحرير والتنوير " (23/167)
وإنما ورد ذلك في تفسير بعض التابعين ، واختلفوا في ذكر السبب ، غير أن أكثرهم قالوا : إن زوجة أيوب طلبت منه عليه السلام أن يتكلم بكلمة كان إبليس عليه لعنة الله قد طلب من أيوب عليه السلام أن يتكلم بها ، وهي كلمة غير شرعية ، إما فيها تسخط على أقدار الله عز وجل ، أو نسبة الشفاء لغير الله ، فأبى أيوب عليه السلام ، وحلف إن شفاه الله أن يعاقب زوجته التي استجابت لما وسوس به إبليس اللعين .
قال قتادة رحمه الله :
" كانت امرأته قد عَرَضت له بأمر ، وأرادها إبليس على شيء ، فقال : لو تكلمت بكذا وكذا ، وإنما حملها عليها الجزع . فحلف نبي الله : لِئن الله شفاه ليجلِدنَّها مئة جلدة .
قال : فأمر بغصن فيه تسعة وتسعون قضيبا ، والأصل تكملة المِئَة ، فضربها ضربة واحدة ، فأبرّ نبيُّ الله ، وخَفَّفَ الله عن أمَتِهِ ، والله رحيم " انتهى.
" جامع البيان " للإمام الطبري (21/213)
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" قوله تعالى : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) وذلك أن أيوب عليه السلام كان قد غضب على زوجته ، ووجد عليها في أمر فعلته .
قيل: إنها باعت ضفيرتها بخبز ، فأطعمته إياه ، فلامها على ذلك ، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة .
وقيل : لغير ذلك من الأسباب .
فلما شفاه الله وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب ، فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثًا – وهو : الشِّمراخ - ، فيه مائة قضيب ، فيضربها به ضربة واحدة ، وقد بَرّت يمينه ، وخرج من حنثه ، ووفى بنذره ، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه ، ولهذا قال تعالى : ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) أي : رَجَّاع منيب ، ولهذا قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2-3.
وقد استدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الأيمان وغيرها ، وأخذوها بمقتضاها ، ومنعت طائفة أخرى من الفقهاء من ذلك ، وقالوا : لم يثبت أن الكفارة كانت مشروعة في شرع أيوب عليه السلام ، فلذلك رخص له في ذلك ، وقد أغنى الله هذه الأمة بالكفارة " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (8/76)، ويمكن الاطلاع على الأقوال الأخرى في حقيقة سبب حلف اليمين في " معالم التنزيل " للبغوي (5/345)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب.

رد مع اقتباس
03-10-11, 2:45 PM #6
عيسى محمد شخصية مهمة
تاريخ التسجيل2 - 11 - 2006الدولةالمغربالمشاركات14,668
كان سيدنا " أيوب " عليه السلام ، قبل أن ينزل عليه البلاء وبعد أن زال ، من الأنبياء الأغنياء ، يسكن في قرية له اسمها " البثنية " وهي أحدى قرى "حوران " في أرض الشام بين مدينة " دمشق " و " أذرعات " في الأردن وقد أتاه الله تعالى الأملاك الواسعة والأراضي الخصبة والصحة والمال وكثرة الأولاد ، وكان عليه السلام شاكرا لأنعم الله ، مواسيا لعباد الله ، برا رحيما بالمساكين ، يكفل الأيتام والأرامل ، ويكرم الضيف ويصل المنقطع .
ثم إنه وقع في البلاء الشديد والعناء العظيم ، وليس ذلك لأنه هيّن على الله ، إنما ابتلاء من ربه له ليعظم ثوابه وأجره ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " .
وهكذا يصير الناس إذا ذكروا بلاء " أيوب " وصبره على مر السنين مع كونه أفضل أهل زمانه ، عوّدوا أنفسهم على الصبر على الشدائد كما فعل " أيوب " إذ أنه أبتلي كما قيل بأن جاءت الشياطين إلى أمواله فأحرقتها وفتكت بأغنامه وإبله وعبيده ، وخربت أراضيه ، فلما رأى " أيوب " ما حل به لم يعترض على الله تعالى بل قال : " لله ما أعطى ولله ما أخذ فهو مالك الملك ، وله الحمد على كل حال " .
وعادت الشياطين إلى أفاعيلها وفسادها فسلطت على أولاد " أيوب " الذين كانوا في قصر أبيهم ينعمون برزق الله تعالى ، فتزلزل القصر بهم ، حتى تصدعت جدرانه ووقعت حيطانه ، وقتلوا جميعا ولم يبق منهم أحد. وبلغ " أيوب " الخبر فبكى لكنه لم يقابل المصيبة إلا بالصبر . امتلاء إبليس وأعوانه غيظا مما صدر من " أيوب " عليه السلام من صبر وتسليم لقضاء الله وقدره ، وأصيب " أيوب " بأمراض شديدة عديدة ، لكنه لم يخرج منه الدود كما يذكر بعض الناس الجهال ، وإنما اشتد عليه المرض والبلاء حتى جافاه القريب والبعيد ولم معه إلا القلة القليلة ، لكن زوجته بقيت تخدمه وتحسن إليه ذاكرة فضله وإحسانه لها أيام الرخاء .
ثم طالت مدة هذه العلة ولم يبق له شيء من الأموال البتة ، وامرأته باعت نصف شعرها لبنات الملوك لأجل تحصيل القوت " لأيوب " وكان يزوره اثنان من المؤمنين فارتد أحدهما وكفر ، فسأل " أيوب " عنه فقيل له : " وسوس إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين ، وأنك لست نبيا ، فحزن سيدنا " أيوب " لهذا الأمر وتألم لارتداد صحابه عن الإسلام فدعا الله أن يعافيه ويذهب عنه البلاء ، فلا يرتد أحد من المؤمنين بسبب طول بلائه . رفع الله تعالى عن نبيه " أيوب " عليه السلام البلاء بعد مرور ثمانية عشر عاما ، كان فيها " أيوب " صابرا شاكرا ذاكرا مع شدة بلائه ، وأوحى إليه أن يضرب الأرض برجله فضربها فنبعت عينان شرب من واحدة فتعافى باطنه واغتسل بالأخرى فتعافى ظاهره ، وأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض ، وأبدله بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة وجمالا تاما ولما اغتسل من هذا الماء المبارك أعاد الله لحمه وشعره وبشره على أحسن ما كان ، وأنزل له ثوبين من السماء أبيضين ، التحف بأحدهما من وسطه ، ووضع الآخر على كتفيه ثم أقبل يمشي إلى منزله ، وأبطأ على زوجته حتى ليقيته من دون أن تعرفه فسلمت عليه وقالت : " يرحمك الله ، هل رأيت نبي الله المبتلى وقد كان أشبه الناس بك حين كان صحيحا " قال : " أنا هو " ورد الله إلى زوجة سيدنا " أيوب " شبابها ونضارتها فولدت له سبعة وعشرين ذكرا عوضا عن الذين ماتوا سابقا ، وأقبلت سحابة وصبت في بيدر قمحه ذهبا حتى امتلاء ، ثم أقبلت سحابة أخرى إلى بيدر شعيره وحبوبه فسكبت عليه فضة حتى امتلاء ، ثم حدثت له معجزة أخرى إذ أرسل الله تعالى سحابة على قدر قواعد داره فأمطرت ثلاثة أيام بلياليها جرادا من ذهب . وقد رفع الله تعالى عن " أيوب " الشدة وكشف ما به من ضر رحمة منه ورأفة وإحسانا ، وجعل قصته ذكرى للعابدين ، تصبر من ابتلى في جسده أو ماله أو ولده ، فله أسوة بنبي الله " أيوب " الذي ابتلى بما هو اعظم من ذلك ، فصبر واحتسب حتى فرّج الله عنه . وعاش " أيوب " عليه السلام بعد ذلك سبعين عاما يدعو إلى دين الإسلام ، ولما مات غيّر الكفار الدين وعبدوا الأصنام والعياذ بالله تعالى .
المصدر.

الأربعاء، 13 أبريل 2022

أسماء الله الحسنى الشيخ محمد متولي الشعراوي

أسماء الله الحسنى    الشيخ محمد متولي الشعراوي


وصف الكتاب


أسماء الله الحسنى هي أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد الله وصفات كمال الله ونعوت جلال الله، وأفعال حكمة ورحمة ومصلحة وعدل من الله. ، يدعى الله بها، وتقتضي المدح والثناء بنفسها.
سمى الله بها نفسه في كتبه أو على لسان أحد من رسله أو استأثر الله بها في علم الغيب عنده، لا يشبهه ولا يماثله فيها أحد ، وهي حسنى يراد منها قصر كمال الحسن في أسماء الله، لا يعلمها كاملة وافية إلا الله.
وهي أصل من أصول التوحيد، في العقيدة الإسلامية لذلك فهي روح الإيمان وروحه، وأصله وغايته، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، إزداد إيمانه وقوي يقينه، والعلم بالله، وأسمائه، وصفاته أشرف العلوم عند المسلمين، وأجلها على الإطلاق لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله. 


روابط التحميل


==========

فقة المرأة المسلمة الشيخ محمد متولي الشعراوي

فقة المرأة المسلمة    الشيخ محمد متولي الشعراوي

وصف الكتاب
لقد كفل الإسلام للمرأة حرية الاختيار في العقيدة والزواج وسائر أمور الحياة ، وكفل لها الحق في التملك والشراء والبيع والهبة وجعل لها نصيباً معلوماً في الميراث ، وحافظ على كل حقوقها وقدرها أماً وأختاً وزوجة وابنة ، وجعل لها مكانة عظيمة ، فالمرأة المسلمة تشارك زوجها في الحياة وتعينه وتشير عليه وتربي أولادها التربية الإسلامية الصحيحة ، وحافظ الإسلام على المرأة بمحاربته ظاهرة وأد البنات وهي دفنها وهي حية من كراهته لها أو غيرته عليها وهذه كانت منتشرة في الجاهلية . وكان في ذلك أعظم درس للناس يعلمهم أن لا فرق بين ذكر وأنثى وأن التفاضل بينهما لا يكون إلا بالتقوى والعمل الصالح . 

روابط التحميل


==========

تفسير الإمام الغزالي أبو حامد الغزالي {تحميل }

حمل من مشكاة /تفسير الإمام الغزالي  أبو حامد الغزالي
وصف الكتاب


هذا البحث لجمع تفسير علَم من أعلام العرب والإسلام - وهو حجة الإسلام أبي حامد الغزالي الذي اهتم به الباحثون من عدة جوانب؛ اهتموا به فقيهًا وأصوليًّا وفيلسوفًا ومتصوفًا، لكن لم يسبق لأحدهم – حسب علمي - أن اهتم بأبي حامد الغزالي مفسرًا، أضف إلى ذلك أن بعض العلماء أجمعوا على وجود تفسير واحد للإمام الغزالي .. ولا يعلم عن هذا التفسير شيئًا، وأرجو أن يقرب هذا التفسير المجموع من تفسير الإمام الغزالي المفقود
جمع وتوثيق وتقديم : د. محمد الريحاني
[الكتاب مرقم آليا، وهو غير موافق مطبوع]

تاريخ النشر
1442/1/7 هـ  

روابط التحميل




=====اضغط هنا لتحميلة مباشرة
 المصدر مشكاة=====

تفسير القرآن الكريم - تفسير النابلسي‏ محمد راتب النابلسي‏

تفسير القرآن الكريم - تفسير النابلسي‏  محمد راتب النابلسي‏ سلسلة محاضرات في تفسير القرأن الكريم أهم ما يميزه البساطة والوضوح ، والتركيز على جانب التزكية وتقوية علاقة العبد بربه ، والسنن الإلهية في المجتمعات والأمم ، وخاصة الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر ، ويتعرض كذلك لموضوع الإعجاز العلمي في بعض الآيات. 
روابط التحميل


----------------------------

=============

التوبة الشيخ محمد متولي الشعراوي {جمع وتعليق وضبط : عبد الله حجاج }

التوبة  الشيخ محمد متولي الشعراوي 

شذرات من كتب الشيخ وتسجيلاته مع الشرح والتعليق والضبط.
جمع وتعليق وضبط : عبد الله حجاج
 
روابط التحميل


============

حمل مكتبة الإمام ابن أبي الدنيا - الإصدار الأول

من مشكاة مكتبة الإمام ابن أبي الدنيا - الإصدار الأول المؤلف ابن أبي الدنيا     وصف الكتاب برنامج موسوعي يعتني بجمع مؤلفات الإمام أبو بكر عب...